recent
أخبار عاجلة

السيسي من بغداد: آن أوان الضغط الحقيقي على إسرائيل من أجل سلام دائم

السيسي من بغداد: آن أوان الضغط الحقيقي على إسرائيل من أجل سلام دائم

السيسي من بغداد: آن أوان الضغط الحقيقي على إسرائيل من أجل سلام دائم
السيسي من بغداد: آن أوان الضغط الحقيقي على إسرائيل من أجل سلام دائم

مقدمة صوت الواقع 

في قاعة مشبعة برسائل الترقب والتوتر، وفي لحظة محورية من تاريخ المنطقة، أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نداءً مباشرًا خلال القمة العربية الرابعة والثلاثين المنعقدة في العاصمة العراقية بغداد، دعا فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى ممارسة نفوذه للضغط على إسرائيل من أجل إحياء عملية السلام، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها محاولة لإعادة التوازن إلى المشهد السياسي المتأزم في الشرق الأوسط.

كلمة الرئيس المصري، التي جاءت وسط زخم كبير من التصريحات والمواقف العربية خلال القمة، لم تكن تقليدية أو إنشائية، بل حملت في طياتها نبرة حاسمة ورسائل موجّهة إلى كل من يهمه الأمر، من واشنطن إلى تل أبيب، ومن غزة إلى دمشق وبيروت، لتؤكد أن مصر لا تزال تعتبر القضية الفلسطينية حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الإقليمي، وأن الوقت لم يعد يسمح بالمواقف الرمادية أو التردد الدبلوماسي.

القمة في قلب العاصفة: بغداد تستضيف العرب مجددًا

شهدت العاصمة العراقية بغداد لحظة تاريخية باستضافتها القمة العربية الرابعة والثلاثين، إلى جانب القمة التنموية الخامسة، في ظل ظروف معقدة تمر بها المنطقة العربية، بدءًا من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي المتجدد، مرورًا بانهيار الأوضاع الاقتصادية في عدة دول، وليس انتهاءً بالتحولات الجيوسياسية العالمية التي فرضت إيقاعًا جديدًا على علاقات العرب بالقوى الدولية.

وفي كلمته الافتتاحية، بدا الرئيس المصري مدركًا تمامًا لحجم التحديات، فقال بصراحة: "نحن في لحظة مفصلية تتطلب منّا وقفة موحدة"، مشيرًا إلى أن ما تشهده المنطقة لم يعد يحتمل التأجيل أو التردد، وأن بقاء الوضع على ما هو عليه لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف والانقسام.

رسالة إلى ترامب: استخدم نفوذك للسلام وليس للإدارة

في واحدة من أبرز لحظات الجلسة الافتتاحية، وجّه السيسي رسالة مباشرة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، طالبه فيها باستخدام نفوذه السياسي لممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل، ودفعها نحو خيار السلام الدائم، في خطوة تعكس إدراك القيادة المصرية لطبيعة العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، وإيمانها بأن الحلول الجذرية لا تأتي إلا من مراكز القرار الكبرى.

وقال السيسي: "أطالب الرئيس ترامب باستخدام تأثيره المباشر على إسرائيل من أجل الوصول إلى سلام دائم في الشرق الأوسط"، مضيفًا أن الوضع الراهن بات مرفوضًا من الشعوب قبل الحكومات، وأن استمرار العدوان على الشعب الفلسطيني سيؤدي إلى انفجار إقليمي يصعب احتواؤه.

فلسطين في القلب: لا سلام دون دولة مستقلة

جاءت كلمات الرئيس المصري لتعيد التأكيد على الموقف الثابت لمصر من القضية الفلسطينية، حيث شدد السيسي على أن "السبيل الوحيد للخروج من دوامة العنف في المنطقة هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".

واعتبر أن غياب هذه الدولة هو أصل كل التوترات التي تعصف بالمنطقة، وأن تجاهل هذا المطلب المشروع لن يؤدي إلا إلى تصاعد العنف والتطرف. كما أشار إلى أن القاهرة تواصل جهودها مع الأطراف الفاعلة، وعلى رأسها قطر والولايات المتحدة، لضمان التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، الذي يتعرض لعدوان غير مسبوق.

غزة... مدينة تختنق تحت الحرب

في حديثه عن الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، لم يُخفِ الرئيس المصري غضبه مما وصفه بـ"سياسات الخنق والتجويع والتدمير الممنهج" التي تمارسها إسرائيل بحق المدنيين. وقال إن إسرائيل تسعى لتحويل غزة إلى مكان غير صالح للعيش، في مخالفة واضحة لكل القوانين الدولية والإنسانية.

وأضاف أن آلة الحرب الإسرائيلية لا تفرّق بين طفل وشيخ، ولا تلتزم بأي معايير أخلاقية، معتبرًا أن هذه السياسات ليست فقط إجرامية، بل هي بمثابة وصفة لتوسيع دوائر العنف والكراهية في المنطقة بأكملها.

الملف اللبناني والسوري على الطاولة

لم تقتصر كلمة السيسي على فلسطين، بل امتدت لتشمل ملفات أخرى لا تقل أهمية، وعلى رأسها الوضع في لبنان، حيث شدد على أن استقرار هذا البلد الشقيق "مرهون بتطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل، وتنفيذ القرار الأممي 1701"، في إشارة إلى ضرورة كبح التصعيد في الجنوب اللبناني والحفاظ على حالة من التوازن تمنع الانفجار.

أما بالنسبة إلى سوريا، فقد تحدث السيسي بنبرة مختلفة، مشيرًا إلى أن الخطوة الأخيرة برفع بعض العقوبات عن دمشق تمثل فرصة يجب استثمارها لصالح تطلعات الشعب السوري، داعيًا إلى تحرك عربي مشترك يضع الملف السوري على سكة الحل السياسي، ويضمن وحدة وسلامة الأراضي السورية، وعودة اللاجئين.

باب المندب والبحر الأحمر... لا مساومة على أمن الممرات

وفي ملف آخر بالغ الحساسية، دعا الرئيس المصري إلى عودة الملاحة البحرية إلى طبيعتها في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، في رسالة مباشرة إلى الأطراف الإقليمية التي تحاول التأثير على حرية الملاحة الدولية، خصوصًا في ظل التوترات المتزايدة في اليمن وتهديدات جماعة الحوثي.

وأكد أن أمن البحر الأحمر ليس شأناً إقليمياً فحسب، بل هو جزء من الأمن القومي العربي والدولي، وأن المساس به يمثل تهديدًا مباشرًا للتجارة العالمية وللاستقرار الإقليمي.

رسائل بين السطور: مصر تعود بثقلها إلى قلب الحدث

من خلال كلمته في القمة، أعاد السيسي التأكيد على أن مصر لا تزال تلعب دور العمود الفقري في المنظومة العربية، وأنها حاضرة ليس فقط في ملفات السلام، بل في كل القضايا التي تمس الأمن العربي.

كلمته حملت بين سطورها رسائل عدّة: إلى الولايات المتحدة، بأن استقرار المنطقة يتطلب شراكة حقيقية لا تنحاز لطرف على حساب الآخر؛ إلى إسرائيل، بأن القوة لا تصنع السلام، وأن الظلم يولّد انفجارًا؛ وإلى الدول العربية، بأن وقت التوحد قد حان، وأن العواصم المنهكة لن تنجو ما لم تتكاتف جهودها.

ختامًا: القمم لا تصنع السلام وحدها... ولكنها بداية

في نهاية الجلسة، بدا واضحًا أن السيسي حاول إعادة رسم أولويات النقاش العربي، ووضع النقاط على الحروف، خاصة في ظل الغموض الذي يلف مواقف بعض الدول تجاه القضايا المصيرية. لكن تبقى الأسئلة مفتوحة: هل تجد دعوته آذانًا صاغية في واشنطن؟ وهل تتحرك الدول العربية من حالة الترقب إلى الفعل السياسي الحقيقي؟

وربما الأهم من كل ذلك: هل لا تزال للجامعة العربية القدرة على صناعة مسارات جديدة للسلام والتنمية في منطقة أنهكتها الحروب والخيبات؟

الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة، لكن المؤكد أن رسالة السيسي من بغداد، وإن جاءت من فوق منصة رسمية، فإنها وجدت صداها في شوارع غزة، وفي مخيمات الشتات، وفي العيون التي لا تزال تنتظر وطنًا اسمه فلسطين.

google-playkhamsatmostaqltradent