"إصلاح بأيدٍ مصرية": صندوق النقد يشيد بالبرنامج الاقتصادي المصري ويؤكد دعمه الكامل
![]() |
| "إصلاح بأيدٍ مصرية": صندوق النقد يشيد بالبرنامج الاقتصادي المصري ويؤكد دعمه الكامل |
مقدمة صوت الواقع
في مشهد يعكس ثقة المؤسسات الدولية بالاقتصاد المصري، أبدى صندوق النقد الدولي إشادة لافتة بما وصفه بـ"البرنامج المصري الخالص للإصلاح الاقتصادي"، مؤكدًا أن هذا البرنامج لم يُفرض من الخارج، بل صُمم بأيادٍ مصرية خالصة، وفقًا لأولويات الدولة واحتياجاتها التنموية.
جاء ذلك خلال اللقاء الذي جمع مساء اليوم، الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بنائب المدير العام لصندوق النقد الدولي، نايجل كلارك، والوفد المرافق له، في مقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة، على هامش زيارة يجريها وفد الصندوق لمصر، في إطار المشاورات الخاصة بالمراجعة الخامسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي تنفذه الحكومة بالتعاون مع الصندوق منذ عدة سنوات.
تقدير دولي للإرادة المصرية
وقد أعرب "كلارك" عن امتنانه للاستقبال الذي حظي به وفد الصندوق، مشيدًا بحجم الجهود التي تبذلها الحكومة المصرية على كافة الأصعدة الاقتصادية، لا سيما في ظل التحديات العالمية الراهنة التي تتسم بعدم الاستقرار الاقتصادي وتقلبات الأسواق المالية العالمية.
واعتبر المسؤول الدولي أن البرنامج الإصلاحي الذي تنفذه مصر، يعكس "ملكية وطنية حقيقية"، وأنه صُمم على أساس رؤى محلية، تعكس إدراكًا واعيًا بالتحديات والفرص المتاحة، الأمر الذي يعزز من قدرة الاقتصاد المصري على الصمود أمام الأزمات، والانطلاق بخطى ثابتة نحو المستقبل.
كما أكد أن صندوق النقد سيواصل تقديم دعمه الكامل لمصر، باعتبارها دولة ذات إمكانيات اقتصادية واعدة، وتتمتع بفرص نمو كبيرة، إذا ما استمرت الحكومة على النهج الإصلاحي الحالي.
رئيس الوزراء: مستمرون في الإصلاح وتوسيع دور القطاع الخاص
من جانبه، ثمّن الدكتور مصطفى مدبولي ما وصفه بـ"الروح الإيجابية" التي تتسم بها المشاورات الحالية بين المسؤولين المصريين وفريق صندوق النقد الدولي، معربًا عن تطلعه إلى استكمال المراجعة الخامسة بنجاح، باعتبارها محطة مهمة في مسار البرنامج الإصلاحي الشامل الذي تنفذه الدولة.
وفي سياق اللقاء، قدّم رئيس الوزراء عرضًا لأبرز ما تحقق خلال السنوات الأخيرة في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي، مشيرًا بشكل خاص إلى برنامج الطروحات الحكومية، الذي وصفه بأنه أحد الأعمدة الأساسية في خطة الدولة لتعزيز دور القطاع الخاص، وتنشيط سوق المال، ورفع كفاءة إدارة الأصول العامة.
نتائج ملموسة: 21 صفقة بـ6 مليارات دولار
وأكد مدبولي أن الحكومة نجحت، خلال الثلاث أو الأربع سنوات الماضية، في تنفيذ 21 صفقة ضمن برنامج الطروحات، بقيمة إجمالية بلغت حوالي 6 مليارات دولار. وهو ما يُعد إنجازًا في ظل الأزمات العالمية المتلاحقة، وعلى رأسها تداعيات جائحة كورونا، والأزمة الروسية الأوكرانية، وارتفاع أسعار الفائدة عالميًا.
ولفت إلى أن هذه الصفقات لم تكن مجرد بيع للأصول، بل جاءت في إطار شراكات استراتيجية مع مستثمرين محليين ودوليين، تستهدف جذب رؤوس الأموال، وزيادة معدلات التشغيل، وتحقيق أكبر عائد ممكن من الأصول المملوكة للدولة.
التنسيق مع مؤسسات دولية لدعم الشفافية والكفاءة
وأشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة تعمل بتنسيق وثيق مع مؤسسة التمويل الدولية (IFC)، التي تقوم بدور المستشار الاستراتيجي لبرنامج الطروحات، بما يضمن الالتزام بأعلى معايير الحوكمة والشفافية، ويُعزز من ثقة المستثمرين في بيئة الأعمال المصرية.
وأوضح أن الحكومة وضعت خطة واضحة ومحددة لإتمام المزيد من الصفقات خلال المرحلة المقبلة، وذلك في إطار رؤية متكاملة تستهدف إعادة هيكلة الاقتصاد، وتعزيز تنافسيته، وتقليل العبء على الموازنة العامة، إلى جانب تمكين القطاع الخاص من قيادة قاطرة النمو.
برنامج إصلاح مصري: من التقشف إلى التنمية المستدامة
بعيدًا عن لغة الأرقام، يعكس المسار الحالي الذي تسلكه الحكومة المصرية تحولًا نوعيًا في فلسفة الإصلاح الاقتصادي. فعلى عكس تجارب سابقة ركزت على التقشف وخفض الدعم فقط، فإن البرنامج الحالي ينطوي على بُعد تنموي، يتمثل في تعزيز الإنتاج المحلي، وتحفيز الصادرات، وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية والطاقة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وهذا ما أكده المسؤولون المصريون خلال اللقاء، حيث شددوا على أن الإصلاح لم يعد مجرد التزام تجاه المؤسسات الدولية، بل أصبح جزءًا من تصور أوسع لمستقبل الدولة، يستهدف بناء اقتصاد قوي وقادر على مواجهة الصدمات، ويوفر فرصًا حقيقية للنمو والتطور.
إشادة بالاستقرار النقدي ودور البنك المركزي
وحضر اللقاء أيضًا محافظ البنك المركزي المصري، حسن عبدالله، الذي استعرض أبرز المؤشرات النقدية والمالية التي تعكس تعافي الاقتصاد المصري تدريجيًا، لا سيما بعد إجراءات إصلاح سعر الصرف، وضبط السيولة، وإعادة التوازن في السوق المصرفية.
وأشار عبدالله إلى أن البنك المركزي يعمل على تحقيق الاستقرار النقدي، والسيطرة على التضخم، ودعم الاحتياطي النقدي الأجنبي، بالتوازي مع جهود الحكومة في إصلاح المالية العامة وتعزيز كفاءة الإنفاق.
دور محوري للتخطيط والمالية
وشهد اللقاء كذلك حضور عدد من الوزراء والمسؤولين، من بينهم الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، التي تحدثت عن رؤية مصر 2030، ومشروعات التنمية المستدامة التي تُعد جزءًا لا يتجزأ من برنامج الإصلاح.
كما أشار الدكتور محمد معيط، المدير التنفيذي بصندوق النقد عن المجموعة العربية، إلى أهمية أن يحظى البرنامج الاقتصادي المصري بدعم إقليمي ودولي، باعتباره نموذجًا يُحتذى به في التوازن بين الالتزامات الإصلاحية والبعد الاجتماعي.
دلالات سياسية واقتصادية
تحمل زيارة نائب مدير صندوق النقد الدولي إلى مصر، في هذا التوقيت، أكثر من دلالة. فهي تُعد إشارة واضحة إلى دعم المجتمع الدولي لمسار الإصلاح المصري، وتقديره للخطوات التي اتخذتها الدولة في ظل ظروف استثنائية عالميًا.
كما أنها تأتي لتؤكد أن التعاون بين مصر والصندوق لم يكن يومًا علاقة إملاءات، بل شراكة قائمة على التفاهم المشترك، وتقدير الأولويات الوطنية، وهو ما أشار إليه "كلارك" صراحة عندما وصف البرنامج بأنه "مصري خالص".
مستقبل واعد... ولكن بتحديات
ورغم هذه الإشادات، فإن الطريق لا يزال مليئًا بالتحديات. فمصر تواجه ضغوطًا اقتصادية تتمثل في ارتفاع الدين العام، وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، وارتفاع أسعار الفائدة عالميًا. غير أن الإصرار الذي تبديه القيادة السياسية، والمرونة التي تتعامل بها الحكومة مع الملفات الاقتصادية، تمنح الأمل في أن تتمكن البلاد من تجاوز هذه التحديات، وتحقيق معدلات نمو مستدامة.
في الختام، فإن تأكيد صندوق النقد الدولي على أن برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر هو "برنامج مصري خالص"، لا يعني فقط الإشادة بالنجاح الحالي، بل هو أيضًا دعوة للاستمرار في الطريق، وتأكيد على أن الدولة المصرية باتت تمتلك زمام المبادرة الاقتصادية، وقادرة على صياغة مصيرها الاقتصادي وفقًا لمصالحها وتطلعات شعبها.
