تطورات أمنية خطيرة في العاصمة الليبية: الدبيبة يعلن نجاح العملية العسكرية في أبو سليم ويؤكد سيادة الدولة
طرابلس - صوت الواقع
شهدت العاصمة الليبية طرابلس ليلة مليئة بالتوترات، عقب عملية عسكرية مفاجئة أطلقتها حكومة الوحدة الوطنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، استهدفت مواقع حساسة تابعة لجهاز دعم الاستقرار. في الساعات الأولى من فجر الثلاثاء، أعلنت الحكومة السيطرة الكاملة على منطقة أبو سليم جنوب العاصمة، في تطور أمني وسياسي قد يعيد رسم ملامح المشهد الليبي، الذي لا يزال يعاني من انقسام مؤسساتي وأمني حاد.بداية الأزمة: اغتيال غامض يشعل شرارة المواجهة
تفجرت الأحداث مساء الإثنين، بعد ورود أنباء عن مقتل آمر جهاز دعم الاستقرار، عبد الغني الككلي، الملقب بـ"غنيوة"، داخل مقر اللواء 444 في معسكر التكبالي، أحد أهم المواقع العسكرية في الضاحية الجنوبية من طرابلس. ووفق ما رشح من مصادر ميدانية، فقد جرت مفاوضات داخل المعسكر بين قيادات أمنية وعسكرية بارزة، إلا أن الأوضاع خرجت عن السيطرة وأدت إلى تبادل إطلاق نار، كانت نتيجته مقتل الككلي وسط ظروف غامضة لم تُكشف تفاصيلها حتى الآن.
عبد الغني الككلي، الشخصية المثيرة للجدل، يُعتبر من أبرز القادة الأمنيين في طرابلس، وكان يقود جهاز دعم الاستقرار منذ تأسيسه. الجهاز يتمتع بنفوذ واسع في مناطق متفرقة من العاصمة، ويُتهم مراراً من قبل منظمات حقوقية دولية ومحلية بارتكاب انتهاكات وتجاوزات، في ظل غياب الرقابة المؤسسية.
رد فوري من الحكومة وبيان طارئ من وزارة الدفاع
عقب الحادثة، أطلقت حكومة الوحدة الوطنية عملية عسكرية مفاجئة استهدفت المقرات التابعة لجهاز دعم الاستقرار في طرابلس وضواحيها. وزارة الدفاع الليبية أصدرت بياناً عاجلاً تؤكد فيه بسط سيطرتها على كامل منطقة أبو سليم، وهي واحدة من أكثر المناطق حساسية من الناحية الأمنية. وطمأنت وزارة الداخلية المواطنين في مناطق جنوب وغرب العاصمة بأنها "تتابع الوضع عن كثب" وتعمل على "استعادة الاستقرار".
وفي خطوة لافتة، أعلن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة عبر منصة "إكس" (تويتر سابقاً) أن العملية العسكرية انتهت بنجاح، مشيداً بالقوات النظامية من الجيش والشرطة، ومؤكداً أن "ما تحقق اليوم يُظهر قدرة مؤسسات الدولة على فرض الأمن وسيادة القانون، وإنهاء هيمنة المجموعات الخارجة عن الشرعية".
الأمم المتحدة تعبر عن قلقها ومطالب بحماية المدنيين
من جانبها، أصدرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بياناً أعربت فيه عن قلقها البالغ إزاء تدهور الوضع الأمني في طرابلس، خاصة مع استخدام الأسلحة الثقيلة في مناطق مكتظة بالسكان. وطالبت البعثة جميع الأطراف بالتحلي بأقصى درجات ضبط النفس، وحذرت من أن استمرار العنف قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني.
في السياق ذاته، دعت منظمات حقوقية محلية ودولية إلى فتح تحقيق مستقل في الأحداث الأخيرة، وخاصة في ملابسات مقتل عبد الغني الككلي، نظراً لتداعياتها الخطيرة على المشهد الأمني العام، وخوفاً من اتساع دائرة العنف.
البُعد السياسي: هل يعزز الدبيبة نفوذه أم يفتح باباً لأزمة جديدة؟
المراقبون يرون أن تحرك الدبيبة جاء في توقيت حساس، حيث يواجه ضغوطاً متزايدة من خصومه السياسيين، سواء في الشرق الليبي أو داخل العاصمة ذاتها. خطوة إنهاء نفوذ جهاز دعم الاستقرار قد تُفهم على أنها محاولة لإعادة هيكلة المشهد الأمني بما يعزز من سيطرة الحكومة المركزية على العاصمة، ويقلل من نفوذ الميليشيات غير النظامية التي طالما عرقلت عمل المؤسسات.
لكن، وفي المقابل، فإن هذه العملية قد تفتح الباب أمام تصعيد مضاد من قبل الفصائل التي كانت تتبع عبد الغني الككلي، والتي قد لا ترضى بسهولة بتفكيك نفوذها وخسارتها للامتيازات الأمنية والاقتصادية التي كانت تتمتع بها.
مؤسسات التعليم والصحة تتأهب
مع استمرار دوي الاشتباكات في بعض أحياء طرابلس، أعلنت جامعة طرابلس وعدد من مراقبات التعليم في البلديات الكبرى تعليق الدراسة والامتحانات حتى إشعار آخر، حرصاً على سلامة الطلاب والكادر التعليمي. كما طلبت وزارة الصحة من جميع المستشفيات والمراكز الطبية رفع درجة التأهب القصوى، تحسباً لوقوع إصابات أو تطور المواجهات المسلحة.
ما بعد العملية: الاستقرار أم الانفجار؟
على الرغم من إعلان الحكومة عن "نجاح العملية العسكرية"، فإن المشهد لا يزال ضبابياً. فالتغيرات في البنية الأمنية للعاصمة لطالما كانت شرارة لصراعات أوسع. ووجود جماعات مسلحة لا تزال تملك قدرات قتالية وتمتلك حواضن اجتماعية، قد يؤدي إلى مواجهات مستقبلية إذا لم تُتخذ خطوات فورية لدمج العناصر المسلحة ضمن مؤسسات الدولة، أو توفير بدائل مدنية واقتصادية لهم.
من المتوقع أن تقوم حكومة الدبيبة خلال الأيام القادمة بإعادة توزيع القوى الأمنية في طرابلس، مع إصدار قرارات لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وربما حل جهاز دعم الاستقرار بالكامل أو دمجه ضمن مؤسسة أخرى. لكن دون مصالحة وطنية شاملة وإجماع سياسي حقيقي، فإن أي استقرار سيكون مؤقتاً.
خلاصة: معركة من أجل السيادة أم بداية مرحلة جديدة؟
ما جرى في طرابلس لم يكن مجرد عملية عسكرية أمنية اعتيادية، بل يعكس صراعاً أعمق بين منطق الدولة ومنطق الفوضى، بين مؤسسات رسمية تحاول فرض سيادتها، وتشكيلات مسلحة نشأت وتغذت على ضعف الدولة لعقد من الزمن.
رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة أطلق رهاناً كبيراً، فإما أن يتمكن من استثمار ما تحقق في تعزيز الأمن وتثبيت الدولة، أو يدخل في دوامة صراع جديدة مع مراكز القوى التي قد لا تقبل بفقدان سلطتها بهذه السرعة.
وبينما يترقب الشارع الليبي الخطوات القادمة، يبقى الأمل معقوداً على أن تكون هذه العملية بداية لتفكيك شبكات الفوضى، وبناء أمن مستدام لا يُبنى على القوة وحدها، بل على توافق وطني شامل.
