والد إيلون ماسك يكسر الصمت: نزاع إيلون وترامب "صراع زعامات" سينتهي قريبًا
مقدمة صوت الواقع
في مشهد يعكس عبثية التوترات في قمة هرم السلطة والنفوذ، خرج إيرول ماسك، والد قطب التكنولوجيا إيلون ماسك، بتصريحات حاسمة وملفتة، واصفًا الحرب الكلامية المشتعلة بين ابنه والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بأنها "سخيفة" وستنتهي سريعًا. هذا التدخل العائلي النادر يلقي الضوء على معركة كلامية أصبحت حديث وسائل الإعلام، لا بسبب عمقها السياسي أو تأثيرها الاقتصادي، بل لما تحمله من طابع شخصي واستعراضي بين اثنين من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في العصر الحديث.
اشتباك غير تقليدي بين عمالقة النفوذ
ما يجري بين إيلون ماسك ودونالد ترامب لا يمكن وصفه بخلاف تقليدي، بل هو أقرب إلى تصادم بين قطبين يسعيان إلى فرض نفوذهما على جمهور واسع متنوع. من جهة، لدينا ترامب، السياسي الناري الذي يُجيد استخدام الخطاب الشعبوي ويعرف كيف يخترق عناوين الصحف في كل مرة يتحدث فيها. ومن جهة أخرى، يقف ماسك، الرجل الذي حوّل منصات التواصل إلى ساحة لإدارة أعماله ومعاركه ومواقفه، والذي يرى نفسه لاعبًا رئيسيًا في تشكيل المستقبل التكنولوجي والاقتصادي للبشرية.
إيرول ماسك يرى أن هذا التصادم ليس سوى صراع بين "زعماء"، في إشارة إلى تنافس الشخصيات القوية التي ترفض التراجع أو إظهار الضعف. هذا النوع من النزاعات لا يُبنى على خلافات جوهرية، بل على تصادم الكاريزما والرغبة في الهيمنة على الساحة العامة، وهي ظاهرة نفسية قبل أن تكون سياسية.
السوشيال ميديا.. ميدان المعركة
اندلع الخلاف علنًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث تبادل الطرفان التلميحات والهجمات. ومع أن طبيعة النزاع لم تتضح تمامًا، إلا أن أحد أبرز المشاهد التي زادت من التصعيد تمثلت في قيام ماسك بالتلميح إلى ملفات جيفري إبستين، الشخصية المثيرة للجدل المرتبطة بفضائح استغلال جنسي، في هجومه على ترامب. خطوة فاجأت الجميع، ليس فقط بسبب حساسية الموضوع، بل لأنها جاءت من ماسك الذي عادة ما يتجنب التورط في مثل هذه الملفات القذرة.
هنا، بدا والد ماسك متفاجئًا هو الآخر. فبحديثه إلى الإعلام من مطار دلهي، عبّر إيرول عن دهشته من هذه الخطوة، موضحًا أنه لا يعرف ما كان إيلون يفكر فيه عند نشره تلك التلميحات. وقال بوضوح إنها ربما كانت ناتجة عن ضغط نفسي وليس خطوة استراتيجية مدروسة. هذا التقييم، إن صح، يكشف عن البعد الإنساني خلف هذه المشاحنات، فحتى أصحاب المليارات لا يملكون حصانة ضد التوترات والانفعالات.
الديمقراطيون في الخلفية.. والقلق من الاستغلال السياسي
بحسب تصريحات الأب، فإن ما يدور في رأس إيلون أعمق من خلاف شخصي مع ترامب. فهناك قلق حقيقي لدى ماسك من سياسات الحزب الديمقراطي، خاصة ما يتعلق بالحوافز المالية التي يراها ماسك تُستخدم كأداة ضغط لتمرير تشريعات لا تتوافق مع مصالح قطاع التكنولوجيا أو الشركات الخاصة.
ورغم أن ترامب ينتمي إلى الحزب الجمهوري، إلا أن المواجهة بينه وبين ماسك تعكس انقسامًا أكبر في المشهد الأميركي: انقسام بين تيارات ترى في التكنولوجيا وسيلة للتحرر والتمكين الفردي، وأخرى ترى فيها تهديدًا يجب احتواؤه وتقنينه. ماسك، الذي اشتهر بموقفه المتحرر من رقابة الدولة، يبدو منزعجًا من التوجهات الجديدة التي تُحاول تقليص نفوذ رجال الأعمال، بينما ترامب يحاول استعادة هيمنته على قواعده الشعبية، ولو بالتضحية ببعض التحالفات السابقة.
إيرول ماسك.. صوت العقل في العاصفة
رغم طبيعته المنعزلة نسبيًا، قرر والد ماسك التدخل وتهدئة الأمور، كاشفًا عن إرساله رسالة شخصية إلى إيلون يطلب منه فيها تخفيف حدة التوتر والتصرف بحكمة. ثقته بأن الخلاف سينتهي خلال أيام ليست نابعة من معلومات سرية أو اتفاقات خلف الكواليس، بل من معرفته بطبيعة الشخصيتين المتنازعتين. فهما، في رأيه، من نوع الزعماء الذين يمكن أن يتصارعوا اليوم ويتصافحوا غدًا، تمامًا كما تفعل الأسود في البرية: تتقاتل للحظة، ثم تعود للسيطرة معًا على الساحة.
هل المصالحة واردة؟
حين سئل إيرول ماسك عما إذا كان يعتقد أن ابنه وترامب قد يتصالحان، أجاب بثقة: "نعم، بالطبع"، ثم أضاف: "لقد أرسلت له رسالة... أطلب منه فيها التأكد من أن هذا سيُحل". هذه الثقة اللافتة تطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هناك وساطة حقيقية جارية بالفعل خلف الستار، أم أن المسألة مجرد خلاف مؤقت في إطار لعبة النفوذ الكبرى التي يعرفها الجميع ولا يأخذها على محمل الجد إلا المتابع العادي.
بين الهيبة والهوى: ما الذي يحكم هذه العلاقة؟
من المثير للاهتمام أن العلاقة بين ماسك وترامب مرت بمراحل متعددة، من التعاون الضمني إلى التباين العلني. كلاهما يدّعي الاستقلالية، لكنهما بحاجة لبعضهما البعض بطرق غير مباشرة. ترامب يعرف أن دعم شخص كإيلون قد يُكسبه شرائح من الشباب والمهتمين بالتكنولوجيا، بينما ماسك يعلم أن التقرب من شخص بمكانة ترامب قد يُجنبه مشكلات تنظيمية أو سياسية، خاصة في حال عودته إلى البيت الأبيض.
ومع ذلك، فإن التوتر الحالي يُشير إلى نقطة تحوّل: يبدو أن كلًّا منهما قرر أن يسير في طريقه، ولو مؤقتًا، حتى لو اصطدمت المسارات.
ختامًا: ضجيج النخبة.. أم ملامح معركة أكبر؟
ما حدث بين ماسك وترامب يمكن النظر إليه كحادثة فردية، أو كجزء من مشهد أوسع يُعيد تشكيل علاقات القوى في أميركا والعالم. في زمن يتحكم فيه أصحاب الشركات في المنصات، والرؤساء في السياسات، يصبح الصراع بينهم أقرب إلى مواجهة على مستقبل النفوذ نفسه.
تصريحات إيرول ماسك، التي مزجت بين السخرية والواقعية، قد تكون الجرس الذي ينبه الجميع بأن هذه الصراعات ليست دائمًا عميقة كما نعتقد، بل أحيانًا لا تتجاوز حدود الاستعراض، وسرعان ما تُطوى، ليبدأ فصل جديد في رواية لا تنتهي بين المال والسلطة.
