recent
أخبار عاجلة

أزمة مياه جديدة تلوح في الأفق بين الهند وباكستان: هل تنفجر المواجهة من نهر السند؟


أزمة مياه جديدة تلوح في الأفق بين الهند وباكستان: هل تنفجر المواجهة من نهر السند؟

أزمة مياه جديدة تلوح في الأفق بين الهند وباكستان: هل تنفجر المواجهة من نهر السند؟
أزمة مياه جديدة تلوح في الأفق بين الهند وباكستان: هل تنفجر المواجهة من نهر السند؟

مقدمة صوت الواقع

في خضم توترات عسكرية متصاعدة على الحدود بين الهند وباكستان، تبرز أزمة جديدة تهدد بزعزعة استقرار جنوب آسيا من زاوية لم تكن في صدارة الاهتمام سابقاً: المياه. إذ بدأت أزمة نهر السند – الشريان الحيوي لكلا الدولتين – تأخذ منحى خطيراً، ما قد يدفع بالعلاقات بين الجارتين النوويتين إلى حافة انفجار جديد، ولكن هذه المرة ليس بسبب الرصاص، بل بسبب الموارد المائية.

اتفاقية عمرها أكثر من ستة عقود مهددة بالانهيار

في عام 1960، برعاية البنك الدولي، وُقّعت اتفاقية نهر السند بين الهند وباكستان، بهدف تقاسم مياه الأنهار الستة المشتركة في حوض نهر السند. هذه الاتفاقية صمدت لعقود رغم الحروب والنزاعات المسلحة والاتهامات المتبادلة بين الجانبين، وكانت تُعتبر نموذجاً ناجحاً في "دبلوماسية المياه" في عالم مليء بالخلافات الإقليمية.

إلا أن المستجدات الأخيرة تشي بأن هذا الاتفاق التاريخي بات مهدداً بالانهيار. فقد أعلنت نيودلهي مؤخراً عن تعليق التزاماتها ضمن الاتفاق، ما أثار موجة قلق عارمة في باكستان التي تعتمد اعتماداً شبه كلي على مياه السند لري أراضيها الزراعية التي تشكل ركيزة اقتصادها الغذائي.

تداعيات أمنية واقتصادية واسعة النطاق

ليست الأزمة الحالية محصورة في بُعدها البيئي أو القانوني فحسب، بل تمتد لتطال بنية الأمن القومي لكل من الهند وباكستان. فبحسب إحصاءات رسمية، تعتمد باكستان على مياه السند في ري نحو 80% من أراضيها الزراعية، ما يعني أن أي تغيير في كمية أو جودة المياه المتدفقة إليها سيؤثر مباشرة على الأمن الغذائي لملايين المواطنين.

أضف إلى ذلك أن الزراعة تساهم بنحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتوفّر مصدر رزق لما يقرب من نصف السكان. وبالتالي، فإن التحكم الهندي المحتمل في تدفقات المياه قد يُستَخدم كورقة ضغط سياسية واقتصادية في غاية الخطورة، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها باكستان حالياً.

مخاوف من تصعيد ميداني

الوضع لا يقتصر على تهديدات نظرية. محللون سياسيون، مثل لينا بدري من معهد "تشاتام هاوس"، حذروا من أن تعليق المعاهدة قد يكون بمثابة إشعال فتيل أزمة جديدة قد تنزلق إلى مواجهة عسكرية. وتقول بدري: "تآكل الثقة بين الجانبين لا يمكن إصلاحه بسهولة إذا ما فقدت الاتفاقية فعاليتها كأداة للتعاون. في غياب الشفافية وتبادل البيانات الهيدرولوجية، قد تدفع الضغوط الداخلية في باكستان إلى ردود فعل ميدانية."

تحركات هندية مثيرة للقلق

مصادر إعلامية تحدثت عن شروع السلطات الهندية في تنفيذ خطوات عملية قد تغيّر من واقع المياه في حوض السند، دون إعلان رسمي بالانسحاب من الاتفاق. من بين هذه الخطوات، تنظيف خزانات المياه من الطمي بصورة قد تؤثر على جودة المياه وتهدد بتراكم الرواسب في مجرى النهر المتجه نحو باكستان. بعض المراقبين اعتبروا هذه الإجراءات "تكتيكاً تصعيدياً ناعماً" لاختبار رد الفعل الباكستاني وتثبيت واقع جديد دون الدخول في مواجهة قانونية مباشرة.

ملف التحكيم الدولي: جمود مزمن

أزمة المياه بين الجارتين ليست وليدة اللحظة. في عام 2016، قدمت باكستان طلباً لتحكيم دولي بشأن مشاريع هندية لبناء سدود ومحطات كهرومائية اعتبرتها تهديداً لتدفق المياه. الهند رفضت هذا المسار، مفضلة تعيين خبير تقني محايد. أدى ذلك إلى توقف التحكيم مؤقتاً، قبل أن يعيد البنك الدولي في عام 2022 فتح الملفين بالتوازي – خطوة لم تلقَ قبولاً من نيودلهي التي طالبت بإعادة التفاوض على المعاهدة بأكملها.

هذا التعقيد القانوني عزز حالة الجمود، فيما ظلت باكستان متمسكة بالاتفاق الأصلي، رافضة أي تغيير قد ينتقص من حقوقها المائية. وبغياب دور نشط من البنك الدولي أو أي وسيط خارجي فاعل، تستمر الأزمة في التصاعد دون أفق واضح للحل.

السند... قنبلة مائية موقوتة

لطالما شكّل نهر السند العمود الفقري لنظام الري في باكستان. ينبع النهر من جبال الهيمالايا في الهند، ويشق طريقه عبر الأراضي الباكستانية حتى مصبه في بحر العرب، ماراً بمناطق حيوية مثل كشمير والبنجاب والسند. أي تغيير في منسوب المياه أو توقيته قد يُلحق أضراراً فادحة بالمحاصيل، ويُفجر احتجاجات شعبية واسعة في المدن الباكستانية.

والأخطر من ذلك، أن النزاع قد يتحول من مسألة بيئية إلى أزمة جيوسياسية ذات أبعاد إقليمية. فالهند وباكستان ليستا دولتين عاديتين، بل قوتان نوويتان سبق أن خاضتا ثلاث حروب، كانت إحداها حول كشمير – وهي نفس المنطقة التي تمر منها مجاري نهر السند.

المجتمع الدولي... الغائب الأكبر

في ظل تصاعد التوتر، تتجه الأنظار إلى المجتمع الدولي، خصوصاً القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى منظمات كالأمم المتحدة والبنك الدولي. هذه الجهات مطالبة بلعب دور فاعل في الوساطة ومنع الانزلاق إلى حرب جديدة. لكن حتى الآن، يلاحظ غياب فاعلية حقيقية في التعامل مع الأزمة، ما يترك الباب مفتوحاً أمام سيناريوهات خطرة.

الخاتمة: مياه السند أمام اختبار تاريخي

المرحلة الحالية تُعد من أكثر الفترات حساسية في تاريخ العلاقات بين الهند وباكستان، ليس فقط بسبب التوترات العسكرية أو الخلافات الحدودية، بل أيضاً بسبب دخول عنصر جديد أكثر خطورة على الاستقرار: المياه.

في حال استمرت الهند في اتخاذ إجراءات أحادية تمس تدفقات نهر السند، فإن تداعيات ذلك لن تقتصر على باكستان فقط، بل قد تشمل مجمل المنطقة، وتضع جنوب آسيا على فوهة بركان مفتوح.

بات من الواضح أن "معارك المستقبل" في هذه المنطقة لن تُخاض بالسلاح التقليدي فحسب، بل أيضاً عبر التحكم في الموارد الحيوية. ونهر السند، الذي كان يوماً رمزاً للتعاون، قد يتحول إلى مسرح مواجهة شاملة إذا لم يتم احتواء الأزمة سريعاً.

google-playkhamsatmostaqltradent