ارتفاع حالات كوفيد-19 في شرق المتوسط: مؤشرات تحت السيطرة وتحذيرات من التراخي
مقدمة صوت الواقع
في وقتٍ بدأت فيه جائحة كوفيد-19 تتوارى عن الصفحات الأولى للأخبار، عادت منظمة الصحة العالمية لتلفت الأنظار مجددًا إلى تسجيل ارتفاع ملحوظ في عدد الإصابات بالفيروس في مناطق عدة حول العالم، مع التركيز على إقليم شرق المتوسط، الذي يشهد في الأسابيع الأخيرة زيادات متسارعة في أعداد الإصابات المسجلة. إلا أن المنظمة سارعت إلى طمأنة الرأي العام بأن هذا الارتفاع لا يُعد مؤشرًا على خطر وشيك، بل يقع ضمن التوقعات الموسمية الطبيعية.
متحوّر جديد في الواجهة.. دون تهديد غير معتاد
التقارير الرسمية الصادرة عن المنظمة أوضحت أن سبب الزيادة الحالية في الإصابات يعود بشكل أساسي إلى ظهور متحوّر جديد يحمل الرمز NB.1.8.1، وهو أحد المتحورات التي تخضع للرصد المستمر من قبل الفرق المختصة. وعلى الرغم من تسجيله في عدة دول بالإقليم، فإن هذا المتحوّر لا يحمل صفات تشير إلى زيادة في حدة المرض أو سرعة الانتشار مقارنة بالمتحورات السابقة المعروفة مثل أوميكرون ودلتا.
وأكد خبراء الصحة العالمية أن NB.1.8.1 لم يظهر حتى الآن خصائص تستدعي القلق، وأنه لا يسبب أعراضًا مختلفة أو أكثر خطورة مما عهدناه. كما لم تسجَّل حتى اللحظة حالات تستدعي فرض إجراءات استثنائية مثل الإغلاق أو تقييد السفر، وهو ما يعزز من فرضية أن الفيروس يتطور ضمن نسقه الطبيعي دون أن يخرج عن السيطرة.
زيادة موسمية لا تستدعي الهلع
أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن الزيادات الراهنة في أعداد الإصابات تتزامن مع نفس الفترة الزمنية التي شهدت فيها ارتفاعًا مماثلًا العام الماضي، ما يُرجح أن يكون للفيروس نمط موسمي يُشبه ما نراه في حالات الإنفلونزا. وقد يكون لتقلبات الطقس، وانتقال الأشخاص في عطلات الصيف، وازدحام الأماكن المغلقة، دور كبير في تعزيز فرص انتشار الفيروس في هذه المرحلة من العام.
ورغم ذلك، أكدت المنظمة أن مستوى الخطر لا يزال منخفضًا، مشيرةً إلى أن حالات الاستشفاء ووحدات العناية المركزة لم تسجل ارتفاعًا يُذكر، ما يعني أن المصابين يعانون في معظم الأحيان من أعراض خفيفة إلى متوسطة يمكن التعامل معها في المنزل.
الدعوة للجهوزية لا تعني إعلان الطوارئ
في ظل هذه التطورات، شددت المنظمة على أهمية ألا يُفهم هذا الارتفاع على أنه بداية لموجة جديدة شبيهة بما حدث في السنوات الأولى من الجائحة، مؤكدة أن البيانات لا تشير إلى تحوّل خطير في ديناميكية الفيروس. لكن في المقابل، دعت الدول إلى الاستمرار في تطبيق آليات الرصد والتتبع، ومراقبة سلوك المتحوّرات الجديدة، تحسّبًا لأي تغيرات غير متوقعة.
ومن اللافت أن المنظمة لم توصِ باتخاذ إجراءات صارمة على غرار ما حدث خلال ذروة الجائحة، مثل الإغلاقات العامة أو تعليق السفر، بل شددت على ضرورة التعايش الذكي مع الفيروس، عبر اتباع إجراءات وقائية بسيطة لكنها فعالة، إلى جانب دعم الأنظمة الصحية وتعزيز التواصل المجتمعي.
سلوك وقائي مطلوب من الأفراد
وفيما يخص الأفراد والمجتمعات، جددت منظمة الصحة العالمية دعوتها للجمهور إلى التحلي بالوعي الصحي وعدم الاستهانة بكوفيد-19، حتى إن كانت أعراضه قد أصبحت أقل شدة في معظم الحالات. فقد أوردت المنظمة جملة من التوصيات التي ينبغي الالتزام بها، خاصة مع دخول موسم الصيف وزيادة النشاط الاجتماعي والسفر، وهي:
-
الابتعاد عن الأماكن المزدحمة قدر الإمكان، خصوصًا إذا كانت مغلقة أو سيئة التهوية.
-
ارتداء الكمامات عند التواجد في أماكن مزدحمة أو عند مخالطة أشخاص تظهر عليهم أعراض تنفسية.
-
الحرص على نظافة اليدين بشكل متكرر، باستخدام الماء والصابون أو المعقمات الكحولية.
-
تغطية الفم والأنف عند السعال أو العطس باستخدام منديل أو الكوع، والتخلص من المناديل فورًا.
-
البقاء في المنزل عند الشعور بأي أعراض تنفسية خفيفة أو متوسطة، تجنبًا لنقل العدوى للآخرين.
-
متابعة التطعيمات الموصى بها، بما في ذلك الجرعات المعززة المتوفرة، لا سيما لكبار السن وذوي الأمراض المزمنة.
وذكّرت المنظمة بأن اللقاحات المعتمدة ما زالت فعالة في تقليل احتمالات الإصابة الشديدة والوفاة، بما في ذلك في مواجهة المتحوّر الجديد NB.1.8.1، وهو ما يعزز من أهمية مواصلة حملات التطعيم وعدم التراخي في تلقي الجرعات اللازمة.
دعوة للحكومات: لا تتركوا الرصد جانبًا
وعلى مستوى السياسات الوطنية، أوصت منظمة الصحة العالمية الحكومات بمواصلة الرصد الوبائي النشط وتقييم الأوضاع الصحية أولًا بأول، مع ضرورة الاحتفاظ ببنية تحتية صحية مرنة وقادرة على الاستجابة السريعة. وفي هذا السياق، طرحت المنظمة عددًا من التوصيات، منها:
-
تعزيز قدرات الترصد الجيني لرصد المتحوّرات الجديدة وتحليل سلوكها الوبائي.
-
ضمان توفر اللقاحات والأدوية لجميع الفئات، مع إعطاء الأولوية للأشخاص الأكثر عرضة للخطر.
-
تحسين جودة الخدمات الصحية المتعلقة بكوفيد-19، بما يشمل سهولة الوصول إلى المرافق الطبية.
-
توفير معلومات دقيقة وشفافة للمواطنين، للحد من انتشار الشائعات والمعلومات المضللة.
-
الاستفادة من دروس الجائحة السابقة من أجل دمج استجابة كوفيد-19 في برامج الصحة العامة المستدامة.
وقد أشارت المنظمة إلى أن العديد من الدول شرعت بالفعل في دمج مكافحة كوفيد-19 ضمن أنظمتها الصحية الروتينية، بينما لا تزال بعض الدول الأخرى تمر بمرحلة انتقالية، تعيد فيها تقييم استراتيجياتها استنادًا إلى التجربة الماضية وما تفرضه المرحلة الجديدة من تحديات.
الخلاصة: الفيروس مستمر.. والمطلوب هو التأقلم
بعد مرور أكثر من خمس سنوات على ظهور كوفيد-19، يبدو واضحًا أن الفيروس لن يختفي تمامًا في المدى القريب، لكنه في المقابل لم يعد ذلك الكابوس الصحي الذي شلّ حركة العالم. ومع استمرار التحديثات العلمية، وتوفر اللقاحات، وتزايد وعي المجتمعات، باتت القدرة على السيطرة على الفيروس أفضل من أي وقت مضى.
الزيادة الأخيرة في الإصابات، وإن كانت تستدعي الانتباه، إلا أنها لا تعني العودة إلى الوراء. بل تمثل تذكيرًا بأن الحياة مع الفيروس ممكنة، شريطة أن تبقى اليقظة والوعي الصحي جزءًا من سلوكنا اليومي. وبين التهويل المبالغ فيه، والتجاهل المفرط، تقف الوقاية الواقعية كخيار ذكي وفعال.
